الايام القادمة نرى

يشفق الكثير من الناس على الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية ومسؤول ملف دارفور، من صعوبة مهمته، خاصة بعد توقيع وثيقة سلام دارفور في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك أن العنت الذي يلاقيه والوحول التي يخوض فيها في هذه القضية لا تنتهي، حيث لا يتوقعنَّ أحد أن الأزمة قد انتهت وستصمت أصوات البنادق وتنام دارفور في خدرها على وسائد من حبور آمنة مطمئنة.
ومصدر الإشفاق، أن وثيقة الدوحة قد حددت إطاراً عاماً للحل، لكنها لا تجلبه كاملاً غير منقوص، فلا تزال هناك حركات استعصمت بمواقفها ورفضت الوثيقة وتمسكت بمقلاة الزيت الساخن تسكب منه على اللهب، ولا تستطيع الوساطة التي تجتهد أن تفعل شيئاً مذكوراً في حث من أبى وحفز من تأبى وتليين من جمح، فموقف الوساطة المتمثلة في دولة قطر الشقيقة والوسيط الدولي للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي يوازن بين المطلوب فعله والتلطف في ما يُفعل، وتلك مدرسة في التوسط تذهب من الطريق الدائري الطويل غير المضمون النتائج.
ولذلك فإن من الراجح أن الحكومة التي يمثلها د. غازي رضيت بالحل التقسيطي لقضية الحركات وليس قضية دارفور، فما أن تجلس حركة على بسط السلام حتى تندفع أخرى لميدان الحرب، فتحصل هذه على قسمتها من كيكة السلطة، فإذا أتت الحركات الأخريات ورضخت وأذعنت لرغبات السلام، فماذا ستُعطى من السلطة إن طالبت بها.
الحكومة لن ترفض إذا أتت إليها العدل والمساواة أو حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد، ولن تمانع في إعطائها السلطة مقابل السلام، فالسؤال البديهي، هل لدى الحكومة أنصبة تتنازل عنها قطعةً قطعةً للحركات الأخرى إن قبلت التوقيع؟ وماذا ستعطيها؟ ولا يظننَّ أحد أن أي توقيع قادم لا يتبعه نصيب في كراسي السلطة ووثير مقاعدها، فهذه الحركات قامت من أجل السلطة لا من أجل قضية دارفور وأهلها، فأي اتفاق مهما كان يبتغي أصحابه الوسيلة لصولجان السلطان لا غير.
وهنا يبرز حرج الموقف للدكتور غازي الذي سيحاول الإتيان بسكين حادة ليجلس يقسم «مرارة» السلطة المتبقية ويوزع أكوامها على الحركات التي تتكاثر كالبكتريا مع كل طرفة عين. فلا الأكوام تكفي، وما عند المؤتمر الوطني والحكومة سينفد، ولا سبيل للسلام دون أن يُعطى رئيس الحركة ذاك موقعاً وقوات الحركة تلك ترتيبات أمنية وعسكرية يتساوى فيها المتمرد القاتل مع من نافحه من القوات المسلحة.
هذه هي المعادلة البائسة في دارفور، وورطة الحكومة التي ظلت تبحث عن حل شامل ونهائي، فوجدت وثيقة لا غبار عليها، لكنها لم تجد من يفرد معها بُردة السلام لتغطي بها أرجل دارفور العارية.
محنة العائدين من ليبيا
حالة محزنة للغاية هي التي يعيشها السودانيون العائدون من ليبيا وجحيم الحرب فيها، فالبرغم من الجهود التي بذلتها الدولة في إرجاعهم ومحاولات توفيق أوضاعهم وتحسين ظروف اندماجهم في الحياة بعد سنوات الاغتراب المضنية وحصاد الهشيم الذي جنوه، إلا أن أغلبهم يعيش ظروفاً مأساوية وتواجه أسرهم وعائلاتهم ما لا يطاق، وبالأمس طرق أبواب الصحيفة عدد منهم ليحكوا ما يقاسونه، خاصة أصحاب السيَّارات الذين تمكنوا من الفرار عبر مصر بسياراتهم الخاصة مع أسرهم، ويريدون بدء حياة جديدة، فوجدوا كل الأبواب موصدة أمامهم لترخيص هذه السيَّارات واستثنائها من الإجراءات الصارمة التي تتعامل بها السلطات المعنية مع السيَّارات المتجاوزة الموديل وسنة الصنع المعمول بها.
لا بد من استثناء العائدين من ليبيا من شروط وإجراءات دخول السيَّارات، لأنهم أتوا في ظروف استثنائية خاصة بالغة القسوة والدقة، ومراعاة وضع عائلاتهم، وتركهم بعد مساعدتهم ليعتاشوا من هذه العربة، فهم لا يطمعون في وظيفة في دواوين الدولة، فقط يريدون كسب عيشهم من ظهور سياراتهم، فهل من مجيب يا مجلس الوزراء، فشكواهم للعلي القدير تطرق أبواب السماء.